مقالات ملهمة

اطلع على مجموعة واسعة من المقالات الحديثة في مختلف مجالات القيادة

سعر الذهب إلى أين في 2025؟ تحليل عميق

سعر الذهب إلى أين في 2025؟ تحليل عميق

شهد سعر الذهب في مايو 2025 ارتفاعًا غير مسبوق، حيث تجاوزت أسعار الأونصة 3,364 دولار، محققة مستوى قريب من سعره التاريخي 3,500 الذي وصله الشهر السابق. هذه القفزة تعكس موجة من القلق الاقتصادي والجيوسياسي في الأسواق العالمية. لفهم هذا الارتفاع، يجب الغوص في الأسباب الجوهرية، نتائجها، وتوقعات المستقبل.

أسباب ارتفاع الذهب

1.     التوترات التجارية وتهديد الرسوم الجمركية: في 23 مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات الاتحاد الأوروبي، و25% على هواتف آيفون المنتجة خارج الولايات المتحدة. جاء هذا القرار كجزء من سياسة ترامب التي تهدف إلى حماية الصناعة الأمريكية وتقليل العجز التجاري الضخم، لكن هذه الخطوة أثارت مخاوف جدية من اندلاع حرب تجارية عالمية.

 

·        الرسوم تهدد بشكل خاص قطاعات التكنولوجيا والسيارات الأوروبية، وهو ما يعكس تدهورًا في العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

·        رد الاتحاد الأوروبي كان قوياً، مهدداً باتخاذ إجراءات مضادة تشمل رسومًا انتقامية بقيمة 108 مليار دولار على منتجات أمريكية.

  • هذا التصعيد أدى إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق المالية، ما دفع المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن.

2.     ضعف الدولار الأمريكي: الرسوم الجمركية التي أعلنتها الإدارة الأمريكية تسببت في ضغط على الدولار، إذ يرى المستثمرون أن تصعيد الحرب التجارية قد يضعف النمو الاقتصادي الأمريكي ويزيد من المخاطر التضخمية. وضعف الدولار يجعل الذهب، الذي يُسعر عادة بالدولار، أكثر جاذبية للمشترين الأجانب.

  • مؤشر الدولار (DXY) شهد انخفاضًا بنحو 1.5% خلال الأيام الأخيرة، مما عزز الطلب على الذهب كوسيلة للتحوط ضد تقلبات العملة.

3.     تزايد الطلب من البنوك المركزية: أعلنت عدة بنوك مركزية، خصوصًا في آسيا والشرق الأوسط، عن خطط لتوسيع احتياطياتها من الذهب، كجزء من استراتيجية تقليل الاعتماد على الدولار وتنويع الأصول.

·        صندوق النقد الدولي (IMF) وتقارير البنك الدولي أظهرت أن احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية ارتفعت بنسبة 25% خلال 2024 وحتى مايو 2025 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، مع تسجيل أكبر زيادات في آسيا والشرق الأوسط.

·        الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أعلنت عن زيادة احتياطياتها من الذهب إلى ما يقارب 3,900 طن، بزيادة تقارب 12% عن نهاية 2024. الصين تتبع سياسة استراتيجية لتقليل اعتمادها على الدولار في الاحتياطيات الرسمية، وتعمل على تعزيز مكانة اليوان العالميًا.

·        الهند، أكبر مستورد للذهب في العالم، رفعت احتياطياتها الرسمية من الذهب إلى حوالي 800 طن، مع زيادة مستمرة بدافع حماية الاقتصاد من تقلبات العملات الأجنبية وتقليل التأثر بتقلبات الدولار.

·        الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي، والتي تشكل مركزاً مالياً إقليمياً، أعلنت أيضًا عن زيادة حصة الذهب ضمن احتياطياتها الرسمية. البنك المركزي الإماراتي كشف عن زيادة في الذهب بحوالي 20% خلال الأشهر الستة الماضية حتى مايو 2025، ضمن استراتيجية لتعزيز قوة العملة المحلية وتقليل المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالتوترات العالمية.

·        تركيا التي عانت من تقلبات شديدة في الليرة، وسعت من احتياطياتها الذهبية لتصل إلى حوالي 600 طن، في محاولة لتقليل التعرض للهبوط المفاجئ في سعر عملتها مقابل الدولار.

4.     التوترات الجيوسياسية: بالإضافة إلى الحرب التجارية، تواجه الأسواق توترات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار ويعزز من الطلب على الأصول الآمنة كالذهب.

ردود فعل الأسواق

  • مؤشر STOXX 600 الأوروبي تراجع بنسبة 1.7%، مع تراجع خاص في أسهم شركات السيارات الألمانية التي ستتأثر بشكل مباشر بالرسوم.
  • أسواق الأسهم الأمريكية شهدت تقلبات حادة، مع انخفاض مؤشر S&P 500 بنسبة 1.3% وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.
  • ارتفاع كبير في تداول العقود الآجلة للذهب، حيث سجلت عقود يونيو زيادة بنسبة 3% في جلسة التداول الأخيرة.

هل التهديدات جمركية أم واقع؟

  • تأكيدات ترامب وتحديد موعد 1 يونيو لتنفيذ التعريفات يؤكدان جدية الخطوة.
  • مع ذلك، لا يستبعد بعض المحللين احتمالية مفاوضات خلف الكواليس لتهدئة التوترات، خاصة مع ارتفاع المخاطر الاقتصادية العالمية.
  • تصريحات وزير الخزانة الأمريكية مارك ميدوز شددت على أن الإدارة مستعدة للتفاوض، لكن مع الاحتفاظ بحق تطبيق الرسوم إذا لم تتحقق تنازلات.

تأثير الذهب على الاقتصاد العالمي

  • ارتفاع أسعار الذهب يضغط على الذهب المستهلك، مثل المجوهرات، لكن التأثير الأكبر يظهر في تدفقات الاستثمار.
  • زيادة في الاستثمارات في صناديق المؤشرات المتداولة في الذهب (ETFs) بنسبة 18% خلال مايو 2025.
  • الذهب يثبت مكانته كأداة تحوط فعالة في مواجهة التضخم وركود النمو الاقتصادي.

التوقعات المستقبلية، آراء بيوت الخبرة والخبراء الماليين:

  • جيه.بي مورغان (J.P. Morgan)
    في تقرير حديث نشره قسم الأبحاث في البنك، أكد المحللون أن الذهب سيظل ملاذًا آمنًا في مواجهة الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية. ذكر التقرير أن "الارتفاع المستمر في التوترات التجارية، إضافة إلى ضعف الثقة في السياسات النقدية الأمريكية، قد يدفع الذهب لتجاوز مستويات 3,400 دولار للأونصة خلال الأشهر القادمة".
  • بنك أوف أميركا (Bank of America)
    صنف محللو البنك الذهب ضمن الأصول المفضلة على المدى المتوسط، مشيرين إلى أن "سياسات ترامب الجمركية وتهديداته المستمرة تخلق بيئة غير مستقرة للأسواق المالية، مما يجعل الذهب خيارًا جذابًا للمستثمرين الباحثين عن الأمان".
  • مؤسسة كريدي سويس (Credit Suisse)
    أشار تقريرهم إلى أن "المخاطر الجيوسياسية العالمية المتزايدة، وبخاصة النزاعات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، قد تؤدي إلى مزيد من التدفقات إلى الذهب، مما سيدفعه لتسجيل مستويات سعرية جديدة، وقد يصل إلى 3,450 دولارًا للأونصة إذا تزايدت حدة النزاعات".

آراء خبراء مستقلين:

  • د. إلين ماكغوان  (Ellen McGowan)، خبيرة اقتصاديات السلع في معهد التمويل الدولي:
    تقول: "في حال استمرار الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية جديدة وتطبيق سياسات تجارية حمائية، ستتجه الأسواق للذهب كملاذ آمن، وهذا سيؤدي بلا شك إلى صعود مستمر في أسعار المعدن النفيس".
  • مارك نيوتن  (Mark Newton)، محلل فني في  Fundstrat Global Advisors
    أشار إلى أن "المؤشرات الفنية تُظهر زخمًا قويًا لصعود الذهب، خصوصًا مع تصاعد التوترات التجارية، ومن المرجح أن نشهد اختراقًا لمستوى المقاومة 3,400 دولار قريبًا، مع زيادة السيولة المتجهة نحو الأصول الآمنة".

خلاصة: ارتفع سعر الذهب في مايو 2025 ليعكس حالة من عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي العميق الذي فرضته الحرب التجارية الأمريكية-الأوروبية وتهديدات الرسوم الجمركية. في ظل ضعف الدولار، وتصاعد التوترات، واتجاه البنوك المركزية نحو التنويع، يظل الذهب ملاذًا آمنًا ومحورًا رئيسيًا في المشهد المالي العالمي.

 

0 تعليقات

شارك من خلال تعليق