ضرورة لا رفاهية

في عام 1888 قام المخترع السويدي "فرانس فيلهلم ليندكفيست" باختراع بابور الجاز (البريموس)

في السويد وقد أطلق عليه هذا الإسم نسبةً الى اسم بلدة سويدية اشتهرت بأنها أول وأشهر من قام بصنع بابور الجاز في العالم. في فترة الأربعينات من القرن السابق عُرف "البريموس" في الدول العربية وخاصةً في المدن لكن القُرى ظلت تستعمل الحطب لفترات طويلة. كان هذا الاختراع التكنولوجي العظيم يُقدم كهدية رائعة من رب الأسرة لزوجته ليخفف عنها عناء إشعال النار يدوياً، كما كان ذا أهمية نفسية واجتماعية في المجتمعات حيث أن جهاز العروس كان لا بد أن يحوي ضمنه بابور الجاز كقطعة هامة من أثاث المنزل!

في عصر التطور التكنولوجي السريع والمنافسة المتزايدة، أصبح الابتكار ضرورة أساسية لا رفاهية لبقاء الشركات والمؤسسات على قمة التنافسية وتحقيق النمو المستدام فهو العامل الأساسي الذي يميز بين النجاح والفشل في العصر الحديث. وقد بينت دراسة شملت 665 مبتكراً أن 42% منهم أكدوا أن التصميم والمثابرة هي أهم عوامل أدت الى نجاح ابتكاراتهم. كما بينت دراسة أخرى شملت 445 مبتكراً بينت أن 50% منهم كانت أكبر مخاوفهم المقاومة الداخلية. من هنا، يأتي دور القادة في تعزيز الابتكار وخلق ثقافة مؤسسية ترحب به وتشجعه وتدعمه.

ومن الشركات العربية التي اعتمدت نهج الإبتكار في مختلف عملياتها شركة "أرامكو" السعودية التي تعتبر واحدة من أكبر شركات النفط والغاز في العالم، وهي مشهورة بتبنيها للابتكار في قطاع الطاقة. تستثمر أرامكو بشكل كبير في البحث والتطوير لتطوير تقنيات استخراج النفط وتنقيته وتسليمه بطرق أكثر كفاءة وصديقة للبيئة. وقد عُرف عن شركة "أرامكو" أنها تشجع ثقافة الابتكار والتميز في جميع جوانب أعمالها حيث يتم هذا من خلال تعزيز هذه الثقافة بإشراك الموظفين وتحفيزهم لتقديم الأفكار الجديدة والمبتكرة، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والمبادرات.

أما في مجال النقل فستجد أن شركة مثل  "طيران الإمارات" التي تعتبر واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم، حيث تعتمد بشكل كبير على الابتكار في تقديم خدماتها وتحسين تجربة العملاء من خلال استخدام تقنيات متطورة في تحسين الرحلات وتوفير خدمات راحة وترفيهية عالية الجودة للمسافرين. وتتميز شركة "طيران الامارات" بأنها تخصص موارد كبيرة لبرامج البحث والتطوير لاستكشاف التقنيات الجديدة وتطبيقها في عملياتها، وذلك بهدف تحسين كفاءة الطيران وتطوير حلول جديدة لتلبية احتياجات العملاء.

وفي مجال صناعة السيارات تتميز شركة "فولكسفاجن" الألمانية كإحدى شركات صناعة السيارات الرائدة في العالم، التي تعتبر الابتكار جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها التنافسية، حيث تقوم "فولكسفاجن" بالإستثمار في تطوير تقنيات السيارات الكهربائية والذكية والمستدامة لتلبية تطلعات العملاء والمساهمة في حماية البيئة. وقد برعت "فولكسفاجن" في التحول الرقمي والتكنولوجيا الذكية حيث توظف التكنولوجيا الرقمية والذكية في تطوير السيارات وعمليات الإنتاج وخدمات العملاء. وتشمل هذه التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة والتواصل عبر الإنترنت لتحسين تجربة العملاء وتوفير خدمات مبتكرة.

 وفي الصناعات الدوائية تبرز شركة "باير" الألمانية التي تعتبر الإبتكار والبحث والتطوير جزءاً أساسياً من استراتيجيتها. وتستثمر شركة "باير" بشكلٍ كبير في تطوير علاجات جديدة وتقنيات طبية مبتكرة لمواجهة التحديات الصحية العالمية. ويأتي في طليعة ممارسات الشركة لتعزيز الابتكار التعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية حيث تعمل "باير" على بناء شراكات مع الجامعات والمؤسسات البحثية الرائدة في جميع أنحاء العالم لتبادل المعرفة والخبرات وتطوير حلول مشتركة للتحديات الصحية والزراعية.

وإن كنت من محبي القهوة ستجد شركة "لافاتزا" الإيطالية من رواد صناعة القهوة في العالم، حيث تقوم بالابتكار في تطوير أساليب تحميص وتعبئة البن لتقديم منتجات ذات جودة عالية وتلبية احتياجات العملاء المتغيرة. وتركز "لافاتزا" على الإستدامة في سلسلة التوريد حيث تلتزم "لافاتزا" بتعزيز الممارسات المستدامة في سلسلة التوريد للقهوة، بما في ذلك دعم المزارعين وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة وتحسين ظروف عمل العمال في المزارع.

أما في مجال التجارة الإلكترونية فتتميز شركة "شوبيفاي" وهي منصة تجارة إلكترونية كندية شهيرة، وعتمد بشكل كبير على الابتكار في توفير حلول التجارة الإلكترونية للشركات الصغيرة والمتوسطة. تقدم "شوبيفاي" أدوات وخدمات متطورة لبناء وإدارة المتاجر الإلكترونية بسهولة وفعالية. ومن أبرز مساعيها نحو الابتكار التطوير المستمر للتطبيق حيث توظف "شوبيفاي" الإبتكار في تطوير تطبيقها للهواتف المحمولة وموقع الويب لتحسين واجهة المستخدم وجعل عملية التسوق أكثر سهولة وملاءمة ومتعة للمستخدمين.
في الختام

من الواضح أن الابتكار ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حقيقية للشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، وتُظهر الأمثلة أعلاه كيف تستثمر الشركات العربية والألمانية والكندية في الابتكار لتحقيق النجاح والنمو المستدام في سوقها، وكيف يكون للابتكار دور حاسم في تحسين الخدمات وتلبية احتياجات العملاء والمساهمة في التطور الاقتصادي والاجتماعي.