مقالات ملهمة

اطلع على مجموعة واسعة من المقالات الحديثة في مختلف مجالات القيادة

قصة قائد: مهاتير محمد

قصة قائد: مهاتير محمد

يُعتبر مهاتير محمد، الذي وُلد في ماليزيا في عام 1925، واحدًا من أبرز القادة في التاريخ الحديث لماليزيا. حصل مهاتير على منحة لدراسة الطب وذلك بسبب تفوقه واجتهاده ودرس في كلية السلطان عبد الحميد، وفي عام 1947 التحق بجامعة المالايا في سنغافورة حالياً، والتي كانت تسمى آنذاك "كلية إدوارد  السابع  الطبية". فور تخرجه عمل في ممارسة مهنة الطب في القطاع العام منذ عام 1953 وحتى عام 1957، كما افتتح عيادته الخاصة، في مسقط رأسه. في عام 1970 كتب الدكتور "مهاتير محمد" كتابا بعنوان "معضلة المالايو" انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمهه بالكسل، والقبول بأن تبقى بلادهم دولة زراعية متخلفة دون أي محاولة لتطويرها مما أثار نقد كبير له في الأوساط السياسية الماليزية. وفي عام 1981 تقلد "مهاتير محمد" منصب رئاسة وزراء ماليزيا لمدة 22 عاما، حيث أتيحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث تحققت نهضة ماليزيا وأصبحت أحد أنجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي. وقد كان ل"مهاتير محمد" دور محوري في التقدم الكبير لدولة ماليزيا، التي تحولت في عهده من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطّاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي فكان نتيجةً لذلك ارتفاع معدل دخل الفرد وتراجع الفقر والبطالة في البلاد. وقد كان "مهاتير محمد" خلال فترة حكمه من أكثر القادة تأثيراً في آسيا، ويقول أنه أدرك تماماً أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المستهدف، ولهذا اعتنق سياسة النظر إلى الشرق، والمقصود بها تبني قيم العمل التي تميز دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية التي تستند على الانضباط والاخلاص التام للعمل، والحرص على أن يكون القادة قدوة حسنة لموظفيهم. وقد حقق "مهاتير محمد" نجاحًا كبيرًا كقائد بفضل مجموعة من المهارات القيادية التي أظهرها على مدار حياته السياسية والحياتية. فيما يلي بعض المهارات التي ساهمت في نجاحه كقائد عالمي شديد التأثير:
1. رؤية واضحة وقيادة رشيدة: كان لدى مهاتير محمد رؤية محددة لتحقيق التقدم والازدهار لماليزيا، حيث كان يهدف إلى تحويل ماليزيا إلى دولة صناعية متقدمة واقتصادية قوية، وكان يتمتع بقيادة رشيدة وثابتة في تحقيق هذه الرؤية. يقول "مهاتير محمد" "لابد من ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب وهى الفقر والبطالة والجوع والجهل لأن الانشغال بالأيديولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن يقود المجتمعات إلى إلا مزيد من الاحتقان والتنازع، فالناس مع الجوع والفقر لا يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعي ونشر الثقافة".
بالإضافة إلى ذلك، كان لدى "مهاتير محمد" رؤية طويلة الأمد لتحقيق التنمية وتعزيز مكانة ماليزيا في المجتمع الدولي، فقاد جهودًا كبيرة لتحقيق ذلك من خلال تطوير البنية التحتية ودفع الاقتصاد نحو التحول الرقمي وتعزيز التعليم والابتكار في البلاد
  حيث تتمتع ماليزيا اليوم بمكانة متقدمة على مؤشر الابتكار العالمي بترتيب لعام 2023 هو المرتبة 36 من بين 132 دولة.
2. القدرة على التحفيز والإلهام: كان "مهاتير محمد" قادرًا على تحفيز الناس وإلهامهم برؤيته وأهدافه فقد كان يتمتع بشخصية قوية وكاريزمية تجعل الآخرين يتبعونه ويؤمنون به
. ومن أهم الأمثلة على قدرته على الإلهام مقولته "عندما كانت الكارثة الاقتصادية تُسقط النمور الأسيوية واحدا تلو الآخر كانت نساء ماليزيا يمشين لا بل يهرولن الى بنوك ماليزيا واضعات مصغاتهن الذهبية فيها لإنقاذ البلاد".
3. القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة: كقائد، كان "مهاتير محمد" قادرًا على اتخاذ القرارات الصعبة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهدافه، حتى في ظل الظروف الصعبة
. ومن أهم القرارات الصعبة التي اتخذها "مهاتير محمد" على سبيل المثال الإصلاحات الاقتصادية حيث قاد برنامجًا واسعًا للإصلاح الاقتصادي في ماليزيا في الثمانينيات والتسعينيات. شملت هذه الإصلاحات تحرير الاقتصاد، وتعزيز الصناعات المحلية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
4. القدرة على التواصل الفعال: كان لدى "مهاتير محمد" قدرة استثنائية على التواصل مع الجماهير وتوضيح رؤيته وأهدافه بوضوح، مما ساهم في تعزيز دعم الناس له
.
5. التفكير الاستراتيجي: كان لدى "مهاتير محمد" مهارات استراتيجية ممتازة، حيث كان قادرًا على تحليل الوضع بشكل شامل واتخاذ القرارات الصائبة التي تخدم أهدافه بكفاءة. ومن أهم أقواله "عندما أردنا الصلاة توجهنا صوب مكة وعندما أردنا بناء البلاد توجهنا صوب اليابان".
6. القدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات: كان "مهاتير محمد" يتمتع بمرونة وقدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات بشكل فعال، مما سمح له بتجاوز المواقف الصعبة والوصول إلى النجاح. مثال على ذلك، وخلال رئاسته لمجلس وزراء ماليزيا، واجه "مهاتير محمد" تحديات عدة، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية، ولكنه استطاع تحويل هذه التحديات إلى فرص لتحقيق تقدم وتطوير لبلاده. فنتيجةً للأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، تعرضت ماليزيا لإنهيار اقتصادي وانخفاض حاد في قيمة العملة المحلية. واجه "مهاتير محمد" هذه الأزمة بقرارات جريئة وإصلاحات اقتصادية شاملة، بما في ذلك فرض ضوابط على رأس المال وتحويل الاقتصاد إلى الاعتماد على الصادرات وتعزيز الصناعات المحلية. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية التي تلقاها بسبب هذه الإجراءات، إلا أنها ساهمت في استقرار الاقتصاد الماليزي وتحقيق نمو اقتصادي سريع بعد فترة قصيرة.

باختصار، تمكن "مهاتير محمد" من النجاح كقائد بفضل مجموعة متنوعة من المهارات القيادية التي يتمتع بها، بما في ذلك الرؤية الواضحة، والقدرة على التواصل، والتفكير الاستراتيجي، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة.

 

 

0 تعليقات

شارك من خلال تعليق